اقرأ الآتي من رواية (الولد الذي عاش مع النعام)، ثمّّ أجب عن الأسئلة:
الابنُ المُفَضَّلُ
صارَ هَدارةُ مِنَ الآنَ فصاعِدًا واحدًا مِن سِرِبِ النَّعامِ. كانَ حوجٌ يسيرُ دائمًا في الطّليعةِ حينَ يتنقّلون في الصَّحراءِ. حوجٌ في المقدّمةِ. وبعدَه هَدارةُ. وفي المرَتبةِ الثّالثةِ كانَت تأتي الأنثى ماكو .
شَيئًا فشَيئًا تحسّنَت قُدرةُ الصَّبِيِّ على السّيرِ ثمّ صارَ يَرْكُضُ أيضًا ، عِندَما كانَ سِربُ النّعامِ يتنقّلُ في الصَّحراءِ، جَعَلَ قائدُ السِّرِبِ السُرعَةَ تلائمُ الأبطأَ. كانَ هَدارةُ هو الأبطأُ دائمًا. لكنَّ ذلكَ لمْ يعدْ يُزعِجُ أحَدًا ولا حتّى حوجًا. فقد رأى حوجٌ كَثيرًا مِنَ المنَافعِ في الاحتفاظِ بالطِّفْلِ البَشريِّ بالرّغمِ مِن أنَّهُ كانَ يسبِّبُ كَثيرًا مِنَ المتَاعبِ وبالرغمِ مِن أنَّهُ لمْ يحسِنِ الرَّكْضَ جيّدًا .
لذلكِ صارَ يفردُ جناحَيه فَوْقَ الصَّبِيِّ في أثناءِ اللَّيلِ ؛ ليحتفظَ الصَّبِيُّ بدفئِه. في بَعضِ الأحيانِ كانَت أوقاتُ النّهارِ حارّةً جِدًّا واللّيالي باردةً جدًّا. لمْ يَشعُرْ هَدارةُ بالبردِ بِفضلِ والدَيه، طائرَيِ النَّعامِ.
اكتشفَ حوجٌ خاصيّةً ممُيِّزةً أخرى لدى هذا العُضو الجَديدِ في السِّرِبِ.
حينَ تصلُ طيورُ النَّعامِ إلى نبعٍ أو بِركةٍ ما، تتصرّفُ بِحذرٍ تامٍّ، لذلكَ تدعُ الحَيواناتِ الأخرى بما فيها الغِربانُ، تشربُ قبلَها. لكنْ عِندَما يكونُ هَدارةُ مَوجودًا، يسيرُ إلى الماءِ مُباشرةً بينَما تتفادى الحَيواناتُ الأخرى مواجَهتَه ما باتَ يفسحُ المجَالَ أمامَ طُيورِ النَّعامِ لتِشربَ أوّلًا.
كانَت ماكو تُراقِبُ هَدارةَ بلا انقطاعٍ، وكانَ يُسعدُها أن تراهُ وهو يقلدِّها ويقلدّ صِغارَها. كلّما صارَ أشبهَ بطيورِ النَّعامِ كلّما ازدادَت سعادةً. كانَت هي وطيورُ النَّعامِ الأخرى تأكلُ الحَصى. الحصى تبقى في المعدةِ وتُساعدُ على هَضمِ الطَّعامِ. عِندَما خَرجَ صِغارُها مِنَ البَيضِ راحوا يبحثونَ عن طَعامٍ لأنفسِهم بعدَ فَترْةٍ قَصيرةٍ، وصارَ كلٌّ منهم يلتقِطُ حَصوةً صَغيرةً بينَ فَترَةٍ وأخرى ثمّ يبتلعُها. أسعدَ ذلكَ ماكو كَثيرًا، لكنّها رأت أيضًا أنّ الحَصى كانَت تَخرجُ مِن مَعِدةِ هَدارةَ معَ البُرازِ. أقلقَها ذلك. هذا لا يحدثُ معَ طائرِ نَعامٍ حَقيقيٍّ. لدى طائرِ النَّعامِ تبقى الحَصى في المعَدةِ حتّى تذوبَ فيضطرُّ حينها طائرُ النَّعامِ إلى تناولِ الحَصى مِن جَديدٍ. لمْ تَبدُ على هَدارةَ علاماتٌ تدلُّ على أنّ صِحّتَه ليسَت على ما يُرام بالرّغمِ مِنْ أنّ الحَصى التي كانَ يبتلعُها كانَت تخرجُ معَ معدتِه بعدَ فَترَةٍ قَصيرةٍ.
لكنَّ الفارقَ الكَبيرَ كانَ العَطَشُ. طيورُ النَّعامِ، كَبيرةً كانَت أم صَغيرةً، تستطيعُ العيشَ أيامًا مُتتاليّةً دُونَ ماءٍ. ثمّ إنّ أجسامَها مُغطّاةٌ بالرّيشِ. أمّا ذلكَ الوَلدُ الصغيرُ العاري فقد كانَ مُعرَّضًا لشَمسِ الصَّحراءِ التي لا تَرحم. رأت ماكو أنَّ الإرهاقَ كانَ يبدو عَلَيهِ عِندَما لا يكونُ هُناك ماءٌ يشْرَبه. لمْ يَقوَ عندَها على السّيرِ بل كانَ يَجلِسُ في مَكانِه ويضعُ إبهامَه في فَمِه. كانَ أحيانًا يبكي بِصمْت حينَ يعاني مِنَ العَطَشِ وكانَت الدّموعُ تنهمر من عينيه ، وتنحدِرُ على خَدَّيه. كانَ منَظَرُه وهو يبكي يحزُّ في قلبِ ماكو. كانَت تتألّمُ كَثيرًا وتحاولُ مسحَ قَطَرات الماءِ المالحِ تِلكَ التي كانَت تغطّي خَدّيه بأنعمِ الرّيشِ الذي يُغطّي جناحَيها. أدركَت هي وحوجٌ باكرًا أنّ الصَّبِيَّ يحتاجُ إلى شُرِبِ الماءِ أكْثَرَ مِن طيورِ النَّعامِ العاديّةِ. قَرّرا لذلكَ البقاءَ في أمكنةٍ قريبةٍ مِنَ الماءِ ولو كانَت خَطيرةً. إلى بِرَكِ الماءِ تأتي بناتُ آوى لتِشربَ، ورُبمَّا الفهودُ أيضًا والأُسودُ. طَوالَ السّنةِ الأولى التي مَكثَ فيها هَدارةُ معَ سِرِبِ النَّعامِ، بقيَ السِّرْبُ بالقُرْبِ مِن واحدٍ مِنَ الأمكنةِ النادِرةِ التي تحتوي على الماءِ في الصَّحراءِ. كانوا يأخذونَه إلى البِركةِ مرّةً كلَّ ثلاثةِ أيّامٍ.
عَلَّمتهُ ماكو أمرًا هامًّا جِدًّا وهو البحثُ عن أوراقِ النّباتاتِ التي تَحتوي على كَثيرٍ مِنَ السّوائلِ. كانَت تعلمُ أيضًا أنَّ اليَرَقَ والديدانَ والخنافسَ والعقاربَ غذاءٌ يمنحُ صِغارَ النَّعامِ القُوةَ. كانَت في البِدايةِ تَحفِرُ بحثًا عن هذه الحَيواناتِ مِن أجلِه، لكنْ بعدَ فَترَةٍ قَصيرةٍ لمْ تعدْ تحتاجُ لذلك .تعلّمَ هَدارةُ مثلَ صِغارِها بِالضّبطِ أن يبحثَ عن طَعامِه بِنفسِه. الأمرُ الذي لمْ تتساهلْ فيه هو قيلولةُ بعدَ الظُّهرِ. كانَ الصَّبِيُّ يحبُّ اللَّعِبَ كَثيرًا، أكْثَر مِن صِغارِها، لكنّها علّمَتهُ عادَةً طيِّبةً ؛ علّمَتهُ أنْ ينامَ معَ بقيةِ أفرْادِ السِّرْبِ في الأوقاتِ الحارّةِ جدًّا.
كانوا عندَها ينامونَ في الظِّلِّ هنا أو هُناك تهرُّبًا مِن أسخنِ ساعاتِ النّهارِ., |